مقال عن أهمية أخلاقيات المهنة 
د/ عبدالباقي عرفة 
يمكن تعريف أخلاقيات المهنة بأنها " مجموعة من معايير السلوك الرسمية وغير الرسمية التي يستخدمها المعلمون كمرجع يرشد سلوكهم أثناء أدائهم لوظائفهم، وتستخدمها الإدارة والمجتمع للحكم على التزام المعلمين"
  ويقتضي ذلك وجود دستور أو ميثاق أخلاقي مهني يلتزم به أعضاؤه بتطبيقه في سلوكهم اليومي، فالأخلاق المهنية إذن هي معايير تعد أساسا لسلوك أفراد المهنة المستحب، والذي يتعهد أعضاء المهنة التزامها.
وإذا كانت الأخلاق المهنية ضرورة لكل فرد يعمل في مهنة، فأنها أكثر أهمية وضرورة لمن يعمل في مهنة التعليم وذلك بسبب خطورة هذه المهنة التي تهدف إلى بناء شخصية الإنسان بأبعادها كافة، فضلا عن أهمية الدور الذي يلعبه المعلم في المؤسسة التربوية حيث تمتد آثار تربيته وتعليمه للطلبة إلى أجيال عديدة.

ويمكن القول إن أخلاقيات مهنة التعليم بشكل عام (كمبادئ وقواعد) يمكن أن تنطبق على جميع المعلمين في العالم إلا أن جوهر هذه الأخلاقيات ومضامينها تحكمها فلسفة المجتمع وارثه الحضاري وظروفه.


وعرف البعض أخلاقيات مهنة التعليم في الثقافة الإسلامية بأنها الضوابط الأخلاقية أو الإطار

الذي يحكم النشاط التربوي مع اشتماله على عناصر علمية محددة وواضحة للأخلاق في إطار

الدين الإسلامي (مضوي ،1985، 249)


أهمية أخلاقيات المهنة
اهتم الإسلام بالجانب الأخلاقي، وحدد قيماً وقواعد أخلاقية لكل جانب من جوانب الحياة، وقد اهتم المسلمون بتلك التعاليم الأخلاقية الإسلامية، وعملوا على تطبيقها في كافة جوانب حياتهم، فكانت من أهم عوامل ازدهار حضارتهم، كما واكب ذلك الاهتمام اهتماما مماثلا من جانب المفكرين عامة والتربويين خاصة، فصنفوا العديد من الرسائل والدراسات التي عنيت بأخلاق المعلمين والمتعلمين وآدابهم على السواء، تلك الأخلاق التي تستمد من الإسلام ونظرته الشاملة للإنسان والكون والحياة والأخلاق بالنسبة للمعلم كالهواء والماء للنبات ، لأنه لا يمكن أن نتخيل أن يكون معلم الأبناء وراعي الأخلاق لا يتمتع بالقيم والقواعد الأخلاقية التي يغرسها في نفوس الأبناء لبناء مجتمع متماسك داخليا ومستمسك بالقيم والمثل التي تساعد على النهضة والرقي .والأخلاق تعمل على إصلاح سلوك الفرد والنهوض بالمجتمع إن السلوكيات الأخلاقية وآدابها هي التي تميز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم في تحقيق حاجاته الطبيعية ، أو في علاقاته مع غيره من الكائنات الأخرى ، فالآداب الأخلاقية في كل المعاملات وقضاء الحاجات الإنسانية زينة الإنسان وحليته الجميلة ، وبقدر ما يتحلى بها الإنسان يضفي على نفسه جمالاً وبهاءً ، وقيمة إنسانية ( نذير حمدان ،1990)
والسلوك الظاهر في المواقف المختلفة من الفرد وخاصة في المواقف والمعضلات التي تحتاج إلى صبر وسعة صدر ورفق دليل على الرقي الأخلاقي وأيضا أثر الأخلاق على الفرد
ولا شك أن سلوك السلوك الأخلاقي دليل عما في نفس الإنسان من خير، وصلاح أخلاقه دليل على صلاح سريرته والعكس صحيح، فسلوك الإنسان موافق لما هو مستقر في نفسه من معان وصفات، يقول الامام الغزالي " فإن كل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة "(حمد القريوتي ،1984)
وبالرغم من أهمية هذه المواثيق الأخلاقية للتعليم، فإنَّها لا تزال في بداية عهدها، ولم تُتَحْ الفرصة لتفعيلها، كما لمْ تصبح أساسًا في كليات المعلمين، ولم تُفَعلْ في الواقع من حيث إنَّ التعليم لم يأخذ صفة المهنية في كثير من الدول العربية، كما أنَّ أخلاقيات مهنة التعليم تعدُّ شرطًا أساسيّا من معايير المهنة لا يُمكن تجاهله، إلا أنَّ بعضَ المُعلِّمين يجهلون أخلاقيات المهنة التي تحكم ممارساتهم داخل المدرسة وخارجها. (سلوى سلطان ،2017)
والتأكيد على أهمية تفعيل مواثيق أخلاقيات المهنة في الدول العربية حيث إن كثير من الدول العربية لم تضع بعد مواثيق لمهنة التعليم والدول التي وضعت مواثيق لم تفعلها بالشكل المرضي بعد.
ومن أهمية أخلاقيات مهنة التعليم: توجيه سلوك العاملين في حقل التعليم، وتنظيم العلاقة بين أفراد المهنة أنفسهم، وبينهم وبين من يتعاملون معهم، وتحديد مسؤولية الأفراد وحقوقهم وواجباتهم تجاه العمل، ومساءلتهم عن القصور، وتوفير الحماية لهم، وتحديد معايير الكفاءة في تقديم العمل، وتحديد إطار مهني عام لمُتطلبات المهنة، وتنمية روح الالتزام والولاء المهني لديهم (أحمد بطاح ،2006)
ومن أهمية الالتزام الأخلاقي في العمل يسهم في تحسين المجتمع بصفة عامة، حيث تقل الممارسات غير العادلة، ويتمتع الناس بتكافؤ الفرص، ويجنى كل امرئ ثمرة جهده، أو يلقى جزاء تقصيره، وتسند الأعمال للأكثر كفاءة وعلماً، وتوجه الموارد لما هو أنفع، ونضيق الخناق على المحتالين والانتهازيين، وتوسع الفرص أمام المجتهدين. كل هذا وغيره يتحقق إذا التزم الجميع بالأخلاق ( صديق عفيفي ،2012) كما أنها تؤدي إلى: -
- دعم الرضا والاستقرار الاجتماعيين بين غالبية الناس، حيث يحصل كل ذي حق على حقه ويسود العدل في التعاملات والعقود والإسناد وتوزيع الثروة.... الخ وكل ذلك يجعل غالبية الناس في حالة رضا واستقرار.
- توفر بيئة مواتية لروح الفريق وزيادة الإنتاجية، وهو ما يعود بالفائدة على الجميع.
- زيادة ثقة الفرد بنفسه وثقته بالمنظمة والمجتمع، ويقلل القلق والتوتر بين الأفراد.
- تقلل تعريض المؤسسات للخطر لأن المخالفات والجرائم والمنازعات تقل؛ حيث يتمسك الجميع بالقانون الذي هو أولاً وأخيراً قيمة أخلاقية.
- يشجع الالتزام بمواثيق أخلاقية صارمة على اللجوء في التعامل إلى الجهات الملتزمة أخلاقياً، وبالتالي تنجح الممارسات الجيدة في طرد الممارسات السيئة.
- إن وجود مواثيق أخلاقية معلنة يوفر المرجع الذي يحتكم إليه الناس ليقرروا السلوك الواجب أو ليحكموا على السلوك الذي وقع فعلا.
وتكمن أهمية أخلاقيات المهنة والحاجة إلى أخلاقيات المهنة إلى :
إن حديثنا عن أخلاقيات المعلم والمتعلم ليس ترفا فكريا نمارسه لمجرد إشباع نزعة عاطفية أو تلبية فضول عقلي، إنه ضرورة ملحة، إذ لا يفتأ المتتبعون لمسيرة التربية والتعليم في الكثير من بلدان العالم في كل لقاء ينبهون إلى خطورة الوضع الأخلاقي والقيمي في المؤسسات التعليمية ومحيطها مما يهدد بنسف العملية التعليمية برمتها (قدرية محمد البشري، أخلاقيات المهنة ،2011) زيادة الممارسات الغير أخلاقية التي طفت على السطح وأصبحت ظاهرة لا تخطئها العين في السنوات الأخيرة وهذا الممارسات لا تقع من الطالب فحسب بل وتقع من المدير والمعلم والوكيل والموظفين في حقل التعليم ولا تقتصر هذه الممارسات على مدارس التعليم العام فحسب بل ومدارس التربية الخاصة والجامعات ، ولا يمكن حصر هذه الممارسات في دولة دون أخرى فقد عمت البلوى وأصبحت الممارسات الغير أخلاقية منتشرة في معظم البلدان العربية والإسلامية وحاجات مجتمعاتنا العربية ومدارسنا إلى نشر القيم الأخلاقية والتربوي وغرسها في نفوس الطلاب مقدم على العلم إذ كيف يكون هناك علم بلا أخلاق ، زيادة حالات الغش في الاختبارات وتنوع أساليب ووسائل الغش بين الكبار والصغار وبين الطلاب والطالبات وفقدان الممارسات الأخلاقية أثناء فترة الاختبارات وزيادة محاضر الغش بدرجة لا يمكن تصورها لدرجة وصول محاضر الغش في بعض الجامعات ما يزيد عن 500 محضر غش في الفصل الدراسي الواحد حيث وصلت محاضر الغش في كلية التجارة جامعة حلوان إلى 164 وفي كلية الحقوق جامعة القاهرة 100 محضر غش
افتقاد نسبة كبير من أعضاء هيئة التدريس للقيم والمثل الأخلاقية فهذا يسرب الاختبارات وأخر يبيع الامتحانات وثالث يحصل على رشوة من أجل إنجاح الطالب الراسب ورابع وخامس وعاشر وجميعها مظاهر يندى لها الجبين وحال مدارسنا في المنطقة العربية لا يخفى على ناظر، وتدنى نتائج الطلاب في مختلف القطاعات التعليمية في كثير من البلدان بسبب فقدان عدد كبير لقيم العمل من قيمة الحفاظ على الوقت إلى ضعف الإتقان إلى الخروج قبل نهاية الدوام إلى الغياب عن الدوام وعدم الحضور والانصراف في الوقت المحدد.
انتشار ظاهرة المحسوبية في تعيين أبناء أعضاء هيئة التدريس في الجامعات دون استحقاق للبعض منهم، وظهور ممارسات غير أخلاقية بين الطلاب وبعضهم البعض مثل التحرش الجنسي واللفظي والبدني، ووجود ممارسات غير أخلاقية مثل اعتداء الطلاب على المعلمين، وظاهرة شرب السجائر والمخدرات داخل المدارس والجامعات  ، والمتأمل للمحاكم وأقسام الشرطة يجد مئات بل آلاف من القضايا التي يندى لها الجبين والتي لم تكن في يوم من الأيام موجودة داخل مؤسساتنا التعليمية مثل حوادث الاعتداء الجنسي والتحرش والقتل والسرقة والرشوة وغيرها التي إن دلت فتدل على حاجة المؤسسات التعليمية إلى أخلاقيات المهنة.
زيادة حالة الشيزوفرنيا الموجودة في مؤسساتنا التعليمية بين التربية والأخلاق والتعليم فالمؤسسات تقوم بدور تعليمي وإن كان ليس على المستوى المطلوب أما في المنظومة القيمية والتربوية فبها خلال واضح وظاهر.
وعدد حمدان الغامدي بعض السلبيات التي يقع فيها المعلم والتي تؤيد حاجة المجتمع لتفعيل المواثيق الأخلاقية ومنها:
1-              الغامدي وجود ضعف في وعي المعلم برسالة التربية والتعليم والممثلة في إعداد الناشئة للحياة.
2-              عدم اهتمام المعلم بالتربية الخلقية وعدم النظر إليها باعتبارها هدفاً من أهداف التربية.
3-              وجود بعض مظاهر النقص والقصور في عناية المعلم بالجانب الخلقي وتقويم سلوك المتعلمين.
4-              عدم استثمار تدريس المقررات الدراسية في تنمية الجانب الخلقي لدى المتعلمين.
5-              تركيز المعلم على حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات واعتباره الغرض الأساسي من التربية والتعليم.
6-              عدم اهتمام المعلم بتهذيب أخلاق تلاميذه والعناية بهم مهنياً وعقلياً ووجدانياً وعلمياً لكي يكونوا أفراد صالحين للحياة في المجتمع.
7-              عدم اهتمام المعلم بتكوين العادات الخلقية الحسنة لدى تلاميذه بتعويدهم الصدق في القول، الوفاء بالوعد، حسن الأداء في العمل، المحافظة على الدقة في أداء الواجب بأمانة، الاعتماد على النفس.
8-              عدم الاهتمام بإيجاد مناخ صفي يسوده التعاون والتكامل بين التلاميذ لتنمية روح العمل الجماعي وتشجيع الحوار والمناقشة والاستماع إلى وجهات نظر الآخرين حيال مشكلاتهم والعمل على حلها.
9-              عدم توفر فرص التعليم المستمر للمعلم بهدف إثراء معلوماته في مجال تخصصه ومتطلبات مهنته، وأساليب التدريس مما يساعده على أداء دوره الأخلاقي والتربوي والتعليمي.
10-           غياب المعلم القدوة في مدارسنا الذي يستطيع أن يترك أثراً أخلاقياً عند المتعلمين ويساهم في رفع مستوى العملية التربوية والتعليمية وبالتالي الرفع من شأن مهنة التعليم ذاتها.

11-           عدم الاهتمام بأخلاقيات مهنة المعلم واعتبارها مكون أساس من مكونات إعداد المعلم من قبل مؤسسات إعداد المعلم. (حمدان الغامدي ،2006) 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير أخلاقيات المهنة لدى معلم التربية الخاصة

الفرق بين القانون والأخلاق د/ عبدالباقي عرفة