وسائل تعزيز الأخلاق وغرس القيم الأخلاقية لدى المعلم

- وسائل تعزيز الأخلاقيات

د/ عبدالباقي محمد عرفة

كثير من القواعد السلوكية والأخلاقية لا يكتب لها الانتشار والنجاح داخل مدراسنا ومؤسساتنا التعليمية بسبب عدم الاهتمام بتنفيذ ومتابعة تلك السلوكيات فهناك عشرات الأبحاث والدراسات التي تناولت أخلاقيات المهنة ولكن ظلت حبيسة أدراج المكاتب ورفوف المكتبات ولم تخرج للتطبيق الميداني وهذا من أكبر المآسي التي نعاني منها وهو عدم الاستفادة من البحوث والخطط والقواعد والمبادئ ، والعمل بارتجالية وعشوائية وهذه سمة من سمات البلاد النامية وسوف نتناول في هذا الجزء الوسائل والأساليب التي من خلالها نغرس الأخلاقيات في نفوس المعلمين، إتباع الأخلاق هو أمر يجب أن يحرص عليه كل شخص ولكن إدارة المؤسسة لن تعتمد على مدى التزام العاملين بأخلاقيات العمل بناء على قناعاتهم الشخصية بل هي بحاجة لأن تُلزمَهم بذلك كجزء من مُتطلبات العمل. فكما أوضحت فإن عدم الالتزام بأخلاقيات العمل يؤثر على أداء المؤسسة وبالتالي فلابد لها من الحرص على تطبيقها.
لذلك فإنه من الضروري تحديد ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي في عُرف المؤسسة لكي يلتزم به الجميع. في غياب ذلك فإن كل موظف يكون له مقاييسه الشخصية والتي تختلف من شخص لآخر.
كذلك فإنه لا بد من التعامل بحزم مع كل إخلال بهذه الأخلاقيات. لابد أن يتم التعامل مع الكذب في التقارير وفي البيانات وفي التعامل بكل حزم.
لابد أن تُعامل روح العداء والإيذاء بين العاملين بالجزاء الرادع. لا يمكن ترك كل موظف يتصرف حسب ما اعتاد عليه فلا يمكن ترك الموظفين يتبادلون الألفاظ البذيئة أو يَحِيكون المؤامرات لبعضهم. لا يمكن أن يتم التعامل مع من لا يحترم أخلاقيات العمل بتهاون فهذا يجعل الجميع يسلك نفس المسلك.
لا يمكن أن تقبل أن يكون العاملين لهم مصالح متداخلة مع مصالحة المؤسسة. لا يمكن أن تقبل أن تكون روح العداء هي المنتشرة بين العاملين.
لا يمكن أن تقبل أن يخدع موظفا عميلا أو موردا أو مُتقدم لوظيفة. لا يمكن أن تقبل إدارة المؤسسة أن يأخذ العاملين هدايا قيِّمة من الموردين أو العملاء. يجب أن يتم التعامل مع كل أمر يخص أخلاقيات العمل بكل شدة مهما كانت رتبة الشخص المخالف
الحِرص على أخلاقيات العمل هو أمرٌ أخلاقي وديني وإداري. مع الأسف فإن إهمالنا لأخلاقيات العمل يجعل العاملين لا يتعاونون والشركات لا تثق في بعضها والكل يبدأ بسوء الظن ولا يمكننا الاستفادة من خبرات بعضنا. أخلاقيات العمل ضرورة للتطور. لابد أن تكون لأخلاقيات العمل أولوية أكبر بين موظفينا ومُديرينا. (مسفر القحطاني ،2008)
إن بناء وترسيخ الأخلاق يتم عبر مراحل ومستويات معينة، ترتبط فيما بينها بعلاقات تكاملية تفاعلية، تقوم على التأمل الفكري والتحليل والترتيب؛ حتى تكون أرسخ في الذهن، وألصق بالسلوك، بغض النظر عن المؤثرات الخارجية والضغوطات النفسية، هذا النموذج هو الذي تبناه "سيمون " Simon,1977))؛ حيث يرى أن هناك ثلاثة مستويات لبناء وتكوين القيم، وهي:
أ-المستوى العقلي المعرفي: ويتضمن اختيار القيمة الأخلاقية بناء على معرفة المزايا واستكشاف البدائل، ثم الاقتناع العقلي بهذه القيمة واختيارها اختيارا حرًا دون إكراه.
ب -المستوى الوجداني الانفعالي: ويتضمن تقدير القيمة والاعتزاز بها، والشعور بالسعادة لاختيارها وإعلان التمسك بها والدفاع عنها.
ج -المستوى الأدائي السلوكي: ويتضمن ترجمة القيمة كمعتقد وقناعة إلى ممارسة وأداء وسلوك يتسق ومضمون القيمة، ومع تكرار هذه الممارسة في كل المواقف تصبح ذاتية مستدامة في النسق القيمي للفرد؛ فتصبح هاديا له في كل تصرفاته، وتصير إحدى مكونات ضمير الفرد، لا مجرد سلوكيات عارضة في الحياة
ومن أهم أساليب غرس القيم والأخلاق
- معايير لتقييم السلوك
ومن المهم أن يكون لأي مؤسسة تعليمية مجموعة من المعايير الأخلاقية التي يلتزم بها من ينتسب لهذه المؤسسة وتكون هذه المعايير في ميثاق مكتوب وواضح يتضمن تلك المعايير ويكون مرجعاً ومرشداً لهم جميعاً وأساساً لتقييم سلوكهم أو لمحاسبتهم أو لمساءلتهم.

- تنمية الرقابة الذاتية
والرقابة الذاتية هي الضمير الداخلي وهي أهم أساليب تنمية الأخلاق فإذا لم يكن هناك ضمير داخلي ذاتي يعمل ويراقب سلوك الفرد وأخلاقياته وتعامله مع الآخرين والمجتمع فلن يستطيع أحد كأن من كأن أن يفرض على الموظف أو المعلم السلوكيات والأخلاقيات طوال الوقت والمعلم يدرك أنَّ الرقيب الحقيقي على سلوكه بعد الله سبحانه وتعالى، هو ضمير يقظ وحس ناقد، وأنَّ الرقابة الخارجية مهما تنوعت أساليبها لا ترقى إلى الرقابة الذاتية، لذلك وجب علينا أن نغرس وننمي هذه الرقابة الداخلية وهي مرتبة من مراتب الإحسان بكل وسيلة متاحة في المجتمع
ومن طرق تنمية الضمير
- استثارة الوازع الديني في نفس الإنسان
وتيقنه باطلاع الله على ظاهره وباطنه، وبذل جهده بغية الرقي إلى درجة الإحسان، فعن أبي هريرة  أن النبي  سُئل عن الإحسان فقال: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)) صحيح البخاري والإحسان أعلى من الإسلام والإيمان ، والوازع الديني من أهم أساليب تنمية وغرس القيم بالإضافة لنشر المعارف والمعلومات عن أهمية الأخلاقيات وأثر أن يكون لدى الفرد ضمير حي يعيش به وأثر انهيار المنظومة الأخلاقية في المهن المختلفة ، وهو ما يمكن أن يشاهده المتفحص لأحوال المهن المختلفة في العالم العربي في ظل عدم وجود رقابة ذاتية رغم وجود منظومة قانونية من أفضل التشريعات في العالم إذا نظرت في المهن المختلفة يجد تفشي نماذج سلبية وغير أخلاقية ففي الطب نجد مجموعات غير قليلة من الأطباء منعدمي الضمير وهم يتاجرون في زراعة وبيع الأعضاء خارج الأطر القانونية، ونجد أعداد غير قليلة من المعلمين وهم يعملون في مجموعات لتسريب الاختبارات وتسهيل الغش في مراحل التعليم المختلفة ونجد نماذج وشركات هندسية وهي تنشء الطرق والمشروعات بدون توفير المواد الخام اللازمة أو المتفق عليها وهناك انهيارات في أبراج سكنية وطرق وكباري وغيرها بسبب فساد عدد من المهندسين وهناك من المحاسبين والمراقبين عديمي الضمير الذين يسرقون من أموال المجتمع والدول المختلفة وغيرها من المهن التي ينتشر فيها فساد أخلاقي ومهني بسبب عدم تنمية الضمير الذي يراقب الشخص من الداخل ويعده إلى جادة الطريق في حال الانحراف أو السقوط
والرقابة الذاتية تمثل الشفافية في المؤسسات والشركات والمؤسسات العالمية تدرس وتهتم بالرقابة الذاتية ففي استبيان أجرته مجموعة روبرت هاف إنترناشيونال المحدودة، على أكثر من 1400 موظف، أجاب 58 % منهم بأن الاستقامة والنزاهة هما أكثر صفتان تعجبهم في المرشَّحين للوظائف. (www.calcpa.org)
ويشتهر اليابانيون بجديتهم الذاتية في أداء العمل، حيث إن العمل هو وجود المواطن الياباني، وهو ما يعرف بالـ (YORUKI) أي: النزعة الذاتية للبحث عن الذات من خلال العمل.
ولذا كانت نسبة الغياب عن العمل في اليابان (2 %) ‍! وحاولت الحكومة اليابانية تخفيض ساعات العمل ففشلت! لأن الموظفين يريدون بقاء ساعات العمل طويلة.
ولتنمية الرقابة الذاتية وسائل: كتقوية الإيمان بالله والتقوى،
ومن طرق غرس القيم أيضا:
- توضيح أهمية ومكانة أخلاقيات وآداب المهنة للفرد والمجتمع وذلك من خلال عرض التقارير الإدارية والمالية واستبان أراء العملاء وأفراد المجتمع
- توضيح قيمة الأخلاق وأثرها في بناء المجتمع وتماسكه
- القيام بدراسات وأبحاث علمية تتناول دور الأخلاق في مواجهة الممارسات غير الأخلاقية مثل الغش في المدارس والجامعات وغيرها (Popoola, Ifeoluwa& Garner, Bart& other,s2017)
- القدوة واتقان العمل والقدوة من القيادات للموظفين الأقل خبرة والقدوة من المسؤول لغير المسئول القدوة من المدير للمنتسب للعمل القدوة من المعلم لطلابه والوالد لأولاده وخاصة فيما يخص العمل واتقانه وأخلاقيات العمل
طالع التقرير التالي لترى مدى ما وصلنا إليه من غش في ساعات العمل
بينما كافة الدراسات المرتبطة بإنتاجية الموظف الحكومي تشير الى أن دول أوروبا وأمريكا وكذلك بعض دول شرق اسيا المتطورة وصلت إنتاجية الموظف الحكومي بها إلى أكثر من ٧ ساعات يوميا من أصل ٨ ساعات وهذا بالتأكيد ينعكس تماما على المواطن بالإيجاب نظير خدمته بشكل سريع ومتحضر.
- بينما الصدمة والذهول كله فيما أشارت اليه الدراسات ذاتها بما يتعلق بإنتاجية الموظف الحكومي في أغلب الدول العربية والتي لم تتجاوز ٢٥ دقيقة من أصل ٨ ساعات عمل يومية! نعم ٢٥ دقيقة وليس خطأ مطبعيا، أقل من نصف ساعة من أصل ٨ ساعات يومية، ما يعني ٥٪ فقط من الطاقة القصوى التي يمكن الوصول اليها وبمعنى آخر تعتبر هذه الإنتاجية أقل ب ١٥ مرة من الإنتاجية التي وصل اليها الموظف الحكومي في الدول المتقدمة التي سبق ذكرها.
- مما يعني أن عدد المراجعين الذين يخدمهم حاليا الموظف الحكومي في أغلب الدول العربية ممكن أن يتضاعف إلى ١٥ ضعفا في حال تطور وزيادة إنتاجيته أسوة بما وصلت اليه تلك الدول المتقدمة وقبل كل ذلك اقتداء بهدي رسولنا الكريم في حديثه الشريف «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» أما إذا ما أردنا الابتعاد عن التشكيك بتلك الدراسات والتأكد بأنفسنا من مصداقيتها، فلنخض نحن التجربة ولنتأكد من ذلك بأنفسنا، فعند مراجعتك لأي جهة حكومية في أغلب الدول العربية لاحظ ما يلي:
- وقت حضور الموظفين والتأخير الحاصل به، وقت جاهزية الموظفين لبدء تقديم الخدمة للمراجعين، الوقت الذي يقضيه بعض الموظفين في تناول إفطارهم، الوقت الذي يقضيه البعض في أداء صلاة الظهر والذي قد يضاهي وقت صلاة التراويح وقت خروج الموظفين قبل انتهاء موعد العمل.
- ومن ثم لنجمع كل ذلك ونقتطعه من إجمالي عدد ساعات العمل اليومية، ومن جانب اخر اختبر أنت عزيزي القارئ ذلك باستخدام ساعة التوقف أو ما يعرف ب stop watch عند مراجعتك لجهة حكومية ما في الوطن العربي واكتشف الوقت المستغرق لإنهاء معاملتك وما يتخللها من حديث جانبي للموظف مع زملائه وكذلك استعماله لهاتفه الشخصي إضافة الى وسائل التواصل الاجتماعي أثناء أداء مهام عمله، ناهيك عن مستوى الخدمة ومدى جودتها.
- فإذا ما حللنا وجمعنا كل ذلك سنصل لرقم لن يكون بعيدا عما آلت اليه تلك الدراسات، ولكن إن أردنا أن نكون موضوعيين وبنائين في نقدنا، يجب أن نعترف بوجود مشكلة كهذه ونتعرف على أسبابها والحلول المقترحة للحد من ابعادها.
- مما لا شك فيه أن نقص التدريب والتطوير، وعدم تفعيل مفهوم إدارة الجودة الشاملة TQM من خلال حساب معدل إنتاجية كل موظف ووضع مستهدفات خدمية له يتم تقييمه ومكافأته أو محاسبته عليها، يعتبران عنصرين مسببين لما سبق إضافة إلى عدة أسباب أخرى منها غياب المحفزات والدوافع التي تجبر الموظف على الإبداع وأداء ما هو مطلوب منه.
- الخلاصة: لا تحتاج الجهة الحكومية في وطننا العربي إلى أن يتم خصخصتها او أن تكون مؤسسة ذات ربحية أسوة بالقطاع الخاص لتقدم خدماتها للمواطنين بشكل مثالي ومتحضر بل يجب أن يعتبر الربح الحقيقي في خدمة هذا المواطن. (بندر السفير، جريدة اليوم 2015)
تعزيز الحس الوطني: وتربية المواطن على أن حب الوطن من الإيمان وكلما زاد حب الشعب لوطنه زاد الحرص على النهوض به والأخذ بأسباب النهوض ولنا في النموذج الياباني والنموذج الماليزي والكوري في حرص هذه الشعوب على حب أوطانها والنهوض بها رغم أنهم لا يملكون الموارد المالية والمادية التي تتوفر في الوطن العربي
تحمل المسؤولية: تعويد الفرد على تحمل المسئولية وأنه مسؤول عما يقوم به من أعمال وسلوكيات تجعل الفرد يقف مع نفسه ويعمل على الالتزام الأخلاقي والوظيفي واقتناعه الدائم بأهمية أداء الوظيفة وأدائها بشكل صحيح
عرض نماذج من المواثيق الأخلاقية لمختلف المهن
تدريس القيم والمواثيق الأخلاقية للطلاب
بل وهناك أتجاه عالمي في كثير من دول العالم بتدريس برامج ومقررات عن الأخلاقيات في مراحل الدراسة المختلفة، وهناك اتفاق واسع النطاق على أنه ينبغي للمدارس أن تساهم في التطور الأخلاقي وتكوين طلابها. في الواقع، 80٪ من الولايات الأمريكية لديها حاليا برامج ومقررات عن الأخلاق في المدارس ( Larry Nucci2014 &( Tobias Krettenauer ,
نشر مواثيق أخلاقيات المهن في كتيبات وتوزيعها في المؤسسات المختلفة (نشر الثقافة الأخلاقية)
- أن تكون المعايير الأخلاقية من أهم جوانب تقييم الموظف المختلفة وخاصة المهن التعليمية أي لا يتم ترقية المعلم أو تعيينه في وظائف عليا دون مراعاة التقييم المهني والأخلاقي كم تم التوضيح مسبقا
- تدريب العاملين على آداب وأخلاقيات المهن
- عقد الورش واللقاءات التدريبية حول الممارسات اللاأخلاقية حتى لا يقع فيها الفرد
- معاقبة من يقع في المخالفات الأخلاقية أشد أنواع العقوبات وخاصة من المسئولين حيث أنهم القدوة والأسوة لصغار الموظفين
- عمل مسابقات لأفضل موظف سلوكا وأخلاقا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معايير أخلاقيات المهنة لدى معلم التربية الخاصة

الفرق بين القانون والأخلاق د/ عبدالباقي عرفة